الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ وَذَكَرَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَقَالَ إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ الشرح: قوله (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء) هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والبزار من حديث جابر " أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه فغضب وقال: لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني " ورجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفا وأخرج البزار أيضا من طريق عبد الله بن ثابت الأنصاري " أن عمر نسخ صحيفة من التوراة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء " وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف، واستعمله في الترجمة لورود ما يشهد بصحته من الحديث الصحيح. وأخرج عبد الرزاق من طريق حريث ابن ظهير قال " قال عبد الله لا تسألوا أهل الكتاب فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم فتكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل " وأخرجه سفيان الثوري من هذا الوجه بلفظ " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل " وسنده حسن، قال ابن بطال عن المهلب: هذا النهي إنما هو في سؤالهم عما لا نص فيه، لأن شرعنا مكتف بنفسه فإذا لم يوجد فيه نص ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم، ولا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا والأخبار عن الأمم السالفة، وأما قوله تعالى قوله (وقال أبو اليمان) كذا عند الجميع ولم أره بصيغة حدثنا، وأبو اليمان من شيوخه فإما أن يكون أخذه عنه مذاكرة وإما أن يكون ترك التصريح بقوله حدثنا لكونه أثرا موقوفا، ويحتمل أن يكون مما فاته سماعه، ثم وجدت الإسماعيلي أخرجه عن عبد الله بن العباس الطيالسي عن البخاري قال " حدثنا أبو اليمان " ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم فذكره فظهر أنه مسموع له وترجح الاحتمال الثاني، ثم وجدته في التاريخ الصغير للبخاري قال: حدثنا أبو اليمان. قوله (حميد بن عبد الرحمن) أي ابن عوف، وقوله "سمع معاوية " أي أنه سمع معاوية وحذف أنه يقع كثيرا. قوله (رهطا من قريش) لم أقف على تعيينهم، وقوله "بالمدينة " يعني لما حج في خلافته. قوله (إن كان من أصدق) إن مخففة من الثقيلة، ووقع في رواية أخرى " لمن أصدق " بزيادة اللام المؤكدة. قوله (يحدثون عن أهل الكتاب) أي القديم فيشمل التوراة والصحف. وفي رواية الذهلي في الزهريات عن أبي اليمان بهذا السند " يتحدثون " بزيادة مثناة. قوله (لنبلو) بنون ثم موحدة أي نختبر، وقوله "عليه الكذب " أي يقع بعض ما يخبرنا عنه بخلاف ما يخبرنا به، قال ابن التين وهذا نحو قول ابن عباس في حق كعب المذكور بدل من قبله فوقع في الكذب، قال والمراد بالمحدثين: أنداد كعب ممن كان من أهل الكتاب وأسلم فكان يحدث عنهم، وكذا من نظر في كتبهم فحدث عما فيها، قال: ولعلهم كانوا مثل كعب إلا أن كعبا كان أشد منهم بصيرة وأعرف بما يتوقاه. وقال ابن حبان في " كتاب الثقات " أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما يخبر به ولم يرد أنه كان كذابا. وقال غيره الضمير في قوله " لنبلو عليه " للكتاب لا لكعب، وإنما يقع في كتابهم الكذب لكونهم بدلوه وحرفوه. وقال عياض يصح عوده على الكتاب ويصح عوده على كعب وعلى حديثه، وإن لم يقصد الكذب ويتعمده إذ لا يشترط في مسمى الكذب التعمد بل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، وليس فيه تجريح لكعب بالكذب. وقال ابن الجوزي المعنى أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبا لا أنه يتعمد الكذب وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار، وهو كعب بن ماتع بكسر المثناة بعدها مهملة ابن عمرو ابن قيس من آل ذي رعين، وقيل ذي الكلاع الحميري، وقيل غير ذلك في اسم جده ونسبه يكنى أبا إسحاق، كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وكان يهوديا عالما بكتبهم حتى كان يقال له كعب الحبر كعب الأحبار، وكان إسلامه في عهد عمر، وقيل في خلافة أبي بكر، وقيل إنه أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتأخرت هجرته، والأول أشهر، والثاني قاله أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز، وأسنده ابن منده من طريق أبي إدريس الخولاني وسكن المدينة وغزا الروم في خلافة عمر، ثم تحول في خلافة عثمان إلى الشام فسكنها إلى أن مات بحمص في خلافة عثمان سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وثلاثين والأول أكثر، قال ابن سعد ذكروه لأبي الدرداء فقال: إن عند ابن الحميرية لعلما كثيرا. وأخرج ابن سعد من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: قال معاوية إلا إن كعب الأحبار أحد العلماء، إن كان عنده لعلم كالبحار وإن كنا فيه لمفرطين، وفي تاريخ محمد ابن عثمان بن أبي شيبة من طريق ابن أبي ذئب أن عبد الله بن الزبير قال: ما أصبت في سلطاني شيئا إلا قد أخبرني به كعب قبل أن يقع، ثم ذكر فيه حديثين. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ الْآيَةَ الشرح: قوله (كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية) تقدم بهذا السند والمتن في تفسير سورة البقرة، وعلى هذا فالمراد بأهل الكتاب اليهود لكن الحكم عام فيتناول النصارى، قوله (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) هذا لا يعارض حديث الترجمة فإنه نهى عن السؤال وهذا نهى عن التصديق والتكذيب، فيحمل الثاني على ما إذا بدأهم أهل الكتاب بالخبر، وقد تقدم توجيه النهي عن التصديق والتكذيب في تفسير سورة البقرة. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ الشرح: قوله (حدثنا إبراهيم) هو ابن سعد بن إبراهيم المذكور قريبا. قوله (كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء) تقدم شرحه في " كتاب الشهادات " ووقع في رواية عكرمة عن ابن عباس عند ابن أبي شيبة " عن كتبهم". قوله (وكتابكم الذي أنزل على رسوله أحدث) كذا وقع مختصرا هنا وتقدم بلفظ " أحدث الكتب " ووقع في رواية عكرمة " وعندكم كتاب الله أحدث الكتب عهدا بالله " وتقدم توجيه أحدث ويأتي وقوله " لا ينهاكم " ا هـ. استفهام محذوف الأداة بدليل ما تقدم في الشهادات " أو لا ينهاكم " وقوله " عن مسألتهم " في رواية الكشميهني " عن مساءلتهم " بضم أوله بوزن المفاعلة. الشرح: قوله (باب كراهية الاختلاف) ولبعضهم الخلاف أي في الأحكام الشرعية أو أعم من ذلك وسقطت هذه الترجمة لابن بطال فصار حديثها من جملة باب النهي للتحريم ووجهه بأن الأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن للندب لا لتحريم القراءة عند الاختلاف والأولى ما وقع عند الجمهور وبه جزم الكرماني فقال في آخر حديث عبد الله بن مغفل هذا آخر ما أريد إيراده في الجامع من مسائل أصول الفقه. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ سَمِعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَلَّامًا الشرح: قوله (حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج، وقوله في آخره " قال أبو عبد الله سمع عبد الرحمن " يعني ابن مهدي المذكور في السند سلاما يعني بتشديد اللام وهو ابن أبي مطيع، وأشار بذلك إلى ما أخرجه في فضائل القرآن عن عمرو بن علي عن عبد الرحمن قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع، ووقع هذا الكلام للمستملي وحده. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هَارُونَ الْأَعْوَرِ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ عَنْ جُنْدَبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله (وقال يزيد بن هارون إلخ) وصله الدارمي عن يزيد بن هارون لكن قال عن همام، ثم أخرجه عن أبي النعمان عن هارون الأعور، وتقدم في آخر فضائل القرآن بيان الاختلاف على أبي عمران في سند هذا الحديث مع شرح الحديث. وقال الكرماني: مات يزيد بن هارون سنة ست ومائتين، فالظاهر أن رواية البخاري عنه تعليق انتهى. وهذا لا يتوقف فيه من اطلع على ترجمة البخاري، فإنه لم يرحل من بخاري إلا بعد موت يزيد ابن هارون بمدة. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُومُوا عَنِّي قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ الشرح: قوله (في حديث ابن عباس واختلف أهل البيت: اختصموا) كذا لأبي ذر وهو تفسير لاختلفوا ولغيره " واختصموا " بالواو العاطفة وكذا تقدم في آخر المغازي. قوله (قال عبيد الله) هو ابن عبد الله بن عتبة هو موصول بالسند المذكور، وقد تقدم بيان ذلك في " كتاب العلم " وفي أواخر المغازي في باب الوفاة النبوية. *3* وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ نَحْوَ قَوْلِهِ حِينَ أَحَلُّوا أَصِيبُوا مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ جَابِرٌ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا الشرح: قوله (باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم) أي النهي الصادر منه محمول على التحريم وهو حقيقة فيه. قوله (إلا ما تعرف إباحته) أي بدلالة السياق أو قرينة الحال أو قيام الدليل على ذلك. قوله (وكذلك أمره) أي يحرم مخالفته لوجوب امتثاله ما لم يقم الدليل على إرادة الندب أو غيره. قوله (نحو قوله حين أحلوا) أي في حجة الوداع، لما أمرهم ففسخوا الحج إلى العمرة وتحللوا من العمرة، والمراد بالأمر صيغة أفعل والنهي لا تفعل، واختلفوا في قول الصحابي: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أو نهانا عنة، فالراجح عند أكثر السلف أن لا فرق، وقد أنهى بعض الأصوليين صيغة الأمر إلى سبعة عشر وجها، والنهي إلى ثمانية أوجه، ونقل القاضي أبو بكر بن الطيب عن مالك والشافعي: أن الأمر عندهما على الإيجاب والنهي على التحريم حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك. وقال ابن بطال: هذا قول الجمهور. وقال كثير من الشافعية وغيرهم: الأمر على الندب والنهي على الكراهة حتى يقوم دليل الوجوب في الأمر ودليل التحريم في النهي، وتوقف كثير منهم وسبب توقفهم ورود صيغة الأمر للإيجاب والندب والإباحة والإرشاد وغير ذلك، وحجة الجمهور أن من فعل ما أمر به استحق الحمد، وأن من تركه استحق الذم، وكذا بالعكس في النهي، وقول الله تعالى قوله (أصيبوا من النساء) هو إذن لهم في جماع نسائهم إشارة إلى المبالغة في الإحلال، إذ الجماع يفسد النسك دون غيره من محرمات الإحرام، ووقع في رواية حماد بن زيد عن ابن جريج في " كتاب الشركة " فأمرنا فجعلناها عمرة، وأن نحل إلى نسائنا، ثم ذكر في الباب أحاديث. قوله (وقالت أم عطية نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا) تقدم موصولا في " كتاب الجنائز " وبينه وبين حديث جابر فرق من جهة اختلاف السببين، فالقصة التي في رواية جابر كانت إباحة بعد حظر فلا تدل على الوجوب للقرينة المذكورة لكن أراد جابر التأكيد في ذلك، والقصة التي في حديث أم عطية نهى بعد إباحة فكان ظاهرا في التحريم، فأرادت أن تبين لهم أنه لم يصرح لهم بالتحريم، والصحابي أعرف بالمراد من غيره، وقد تقدم شرح ذلك مستوفي في " كتاب الجنائز". الحديث: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ قَالَ أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ خَالِصًا لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحِلَّ وَقَالَ أَحِلُّوا وَأَصِيبُوا مِنْ النِّسَاءِ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّا نَقُولُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا فَنَأْتِي عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَذْيَ قَالَ وَيَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ هَكَذَا وَحَرَّكَهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ فَحِلُّوا فَلَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا الشرح: قوله (حدثنا المكي بن إبراهيم عن ابن جريج قال عطاء وقال جابر قال أبو عبد الله. وقال محمد بن بكر حدثنا ابن جريج أخبرني عطاء سمعت جابر بن عبد الله) أما قوله " وقال جابر " فهو معطوف على شيء محذوف يظهر مما تقدم في باب " من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم " من " كتاب الحج، وفي باب " بعث على إلى اليمن، من أواخر كتاب المغازي بهذين السندين معلقا وموصولا، ولفظه " أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يقيم على إحرامه) فذكر هذه القصة ثم قال وقال جابر: أهللنا بالحج خالصا، وأما التعليق فوصله الإسماعيلي من الطريق المذكورة عن محمد بن بكر وخرجه أيضا من طريق يحيى القطان عن ابن جريج، وأفادت رواية محمد بن بكر التصريح بسماع عطاء من جابر، وقوله "في أناس معه " فيه التفات ونسق الكلام أن يقول معي، ووقع كذلك في رواية يحيى القطان، وقوله: أهللنا بالحج خالصا ليس معه عمرة، هو محمول على ما كانوا ابتدؤوا به ثم وقع الإذن بإدخال العمرة على الحج وبفسخ الحج إلى العمرة فصاروا على ثلاثة أنحاء مثل ما قالت عائشة (منا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة، ومنا من جمع) وقد تقدم ذلك مشروحا في " كتاب الحج " وقوله " وقال عطاء عن جابر " هو موصول بالسندين المذكورين. قوله (صبح رابعة) تقدم بيانه في حديث أنس في الباب المشار إليه. قوله (قال عطاء قال جابر) هو موصول بالسند المذكور، وقوله "وقال محمد بن بكر عن ابن جريج " هو موصول عند الإسماعيلي كما تقدم. قوله (ولم يعزم عليهم) أي في جماع نسائهم أي لأن الأمر المذكور إنما كان للإباحة ولذلك قال جابر ولكن أحلهن لهم وقد تقدم في الباب المذكور قالوا أي الحل قال: الحل كله. قوله (فبلغه أنا نقول لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس ليال) أي أولها ليلة الأحد وآخرها ليلة الخميس لأن توجههم من مكة كان عشية الأربعاء فباتوا ليلة الخميس بمنى ودخلوا عرفة يوم الخميس. قوله (فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المذي) في رواية المستملي " المنى " وكذا عند الإسماعيلي ويؤيده ما وقع في رواية حماد بن زيد بلفظ (فيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا " وإنما ذكر منى لأنهم يتوجهون إليها قبل توجههم إلى عرفة. قوله (ويقول جابر بيده هكذا وحركها) أي أمالها. وفي رواية حماد بن زيد بلفظ: فقال جابر بكفه أي أشار بكفه قال الكرماني هذه الإشارة لكيفية التقطر ويحتمل أن يكون إلى محل التقطر ووقع في رواية الإسماعيلي قال: يقول جابر كأني أنظر إلى يده يحركها، وهذا يحتمل أن يكون مرفوعا. قول (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) زاد في رواية حماد خطيبا فقال بلغني أن أقواما يقولون كذا وكذا. قوله (قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم) في رواية حماد " والله لأنا أبر وأتقى لله منهم". قوله (ولولا هديي لحللت كما تحلون) في رواية الإسماعيلي لأحللت، وكذا مضى في باب (عمرة التنعيم من طريق حبيب المعلم " عن عطاء عن جابر وهما لغتان: حل وأحل وتقدم شرح الحديث هناك، إلا أنه لم يذكر فيه كلام جابر بتمامه ولا الخطبة. قول (فحلوا) كذا فيه بصيغة الأمر من حل. وقوله (فحللنا وسمعنا وأطعنا) في رواية الإسماعيلي فأحللنا الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْحُسَيْنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً الشرح: قوله (عبد الوارث) هو ابن سعيد " وحسين " هو ابن ذكوان المعلم، ووقع منسوبا في رواية الإسماعيلي و (ابن بريدة، هو عبد الله و " عبد الله المزني) هو ابن مغفل بالمعجمة والفاء الثقيلة، ووقع بيانه في (كتاب الصلاة " وبين الإسماعيلي سبب الاقتصار على قوله عن عبد الله دون ذكر أبيه فأخرجه من طريق محمد بن عبيد بن حسان عن عبد الوارث فقال فيه: " عن عبد الله المزني) كالذي هنا وقال: كتبته فنسيته لا أدري ابن مغفل أو ابن معقل أي بالمعجمة والفاء أو المهملة والقاف، وقد تقدم شرح الحديث في باب كم بين الأذان والإقامة من " كتاب الصلاة " وموضع الترجمة منه قوله في آخره " لمن شاء " فإن فيه إشارة إلى أن الأمر حقيقة في الوجوب فلذلك أردفه بما يدل على التخيير بين الفعل والترك فكان ذلك صارفا للحمل على الوجوب. قوله (خشية أن يتخذها الناس سنة) أي طريقة لازمة لا يجوز تركها، أو سنة راتبة يكره تركها وليس المراد ما يقابل الوجوب لما تقدم. *3* وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وَأَنَّ الْمُشَاوَرَةَ قَبْلَ الْعَزْمِ وَالتَّبَيُّنِ لِقَوْلِهِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ التَّقَدُّمُ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشَاوَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمُقَامِ وَالْخُرُوجِ فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوجَ فَلَمَّا لَبِسَ لَأْمَتَهُ وَعَزَمَ قَالُوا أَقِمْ فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ وَقَالَ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لَأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَشَاوَرَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ فِيمَا رَمَى بِهِ أَهْلُ الْإِفْكِ عَائِشَةَ فَسَمِعَ مِنْهُمَا حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ فَجَلَدَ الرَّامِينَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَنَازُعِهِمْ وَلَكِنْ حَكَمَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَكَانَتْ الْأَئِمَّةُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَشِيرُونَ الْأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا فَإِذَا وَضَحَ الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ قِتَالَ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ فَقَالَ عُمَرُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَابَعَهُ بَعْدُ عُمَرُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَشُورَةٍ إِذْ كَانَ عِنْدَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَأَرَادُوا تَبْدِيلَ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَشُورَةِ عُمَرَ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الشرح: قوله (باب قول الله تعالى: وأمرهم شورى بينهم، وشاورهم في الأمر) هكذا وقعت هذه الترجمة مقدمة على اللتين بعدها عند أبي ذر، ولغيره مؤخرة عنهما وأخرها النسفي أيضا، لكن سقطت عنده ترجمة النهي على التحريم وما معها، فأما الآية الأولى فأخرج البخاري في " الأدب المفرد " وابن أبي حاتم بسند قوي عن الحسن قال: " ما تشاور قوم قط بينهم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم " وفي لفظ " إلا عزم الله لهم بالرشد أو بالذي ينفع " وأما الآية الثانية فأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن الحسن أيضا قال: قد علم أنه ما به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده، في حديث أبي هريرة " ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم " ورجاله ثقات إلا أنه منقطع، وقد أشار إليه الترمذي في الجهاد فقال: ويروى عن أبي هريرة فذكره، وتقدم في الشروط من حديث المسور بن مخرمة قوله صلى الله عليه وسلم "أشيروا علي في هؤلاء القوم، وفيه: جواب أبي بكر وعمر وعمله صلى الله عليه وسلم بما أشارا به وهو في الحديث الطويل في صلح الحديبية. قوله (وإن المشاورة قبل العزم والتبين بقوله تعالى: فإذا عزمت فتوكل على الله) وجه الدلالة ما ورد عن قراءة عكرمة وجعفر الصادق بضم التاء من عزمت أي إذا أرشدتك إليه فلا تعدل عنه فكأن المشاورة إنما تشرع عند عدم العزم وهو واضح. وقد اختلف في متعلق المشاورة فقيل في كل شيء ليس فيه نص وقيل في الأمر الدنيوي فقط وقال الداودي إنما كان يشاوره في أمر الحرب مما ليس فيه حكم لأن معرفة الحكم إنما تلتمس منه قال: ومن زعم أنه كان يشاوره في الأحكام فقد غفل غفلة عظيمة وأما في غير الأحكام فربما رأى غيره أو سمع ما لم يسمعه أو يره كما كان يستصحب الدليل في الطريق وقال غيره اللفظ وإن كان عاما لكن المراد به الخصوص للاتفاق على أنه لم يكن يشاورهم في فرائض الأحكام. قلت: وفي هذا الإطلاق نظر فقد أخرج الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان من حديث علي قال: " لما نزلت: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول 00} الآية، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " ما ترى؟ دينار. قلت: لا يطيقونه قال: فنصف دينار؟ قلت: لا يطيقونه. قال: فكم؟ قلت شعيرة. قال: إنك لزهيد. فنزلت {أأشفقتم. الآية} قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة، ففي هذا الحديث المشاورة في بعض الأحكام. ونقل السهيلي عن ابن عباس أن المشاورة مختصة بأبي بكر وعمر ولعله من تفسير الكلبي ثم وجدت له مستندا في فضائل الصحابة لأسد بن موسى والمعرفة ليعقوب بن سفيان بسند لا بأس به عن عبد الرحمن بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون وهو مختلف في صحبته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر " لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا " وقد وقع في حديث أبي قتادة في نومهم في الوادي " إن تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا " لكن لا حجة فيه للتخصيص ووقع في الأدب من رواية طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى قوله (فإذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله) يريد أنه صلى الله عليه وسلم بعد المشورة إذا عزم على فعل أمر مما وقعت عليه المشورة وشرع فيه لم يكن لأحد بعد ذلك أن يشير عليه بخلافه لورود النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله في آية الحجرات وظهر من الجمع بين آية المشورة وبينها تخصيص عمومها بالمشورة فيجوز التقدم لكن بإذنه منه حيث يستشير، وفي غير صورة المشورة لا يجوز لهم التقدم فأباح لهم القول جواب الاستشارة وزجرهم عن الابتداء بالمشورة وغيرها، ويدخل في ذلك الاعتراض على ما يراه بطريق الأولى، ويستفاد من ذلك أن أمره صلى الله عليه وسلم إذا ثبت لم يكن لأحد أن يخالفه ولا يتحيل في مخالفته بل يجعله الأصل الذي يرد إليه ما خالفه لا بالعكس كما يفعل بعض المقلدين، ويغفل عن قوله تعالى والمشورة بفتح الميم. وضم المعجمة وسكون الواو، وبسكون المعجمة وفتح الواو لغتان والأولى أرجح. قوله (وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج إلخ) هذا مثال لما ترجم به أنه شاور فإذا عزم لم يرجع، والقدر الذي ذكره هنا مختصر من قصة طويلة لم تقع موصولة في موضع آخر من الجامع الصحيح وقد وصلها الطبراني وصححها الحاكم من رواية عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال " تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر " وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا، أخرج بنا يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد، ونرجو أن نصيب من الفضيلة ما أصاب أهل بدر، فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس لأمته، فلما لبسها ندموا. وقالوا يا رسول الله أقم فالرأي رأيك، فقال ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه " وكان ذكر لهم قبل أن يلبس الأداة أني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، وهذا سند حسن وأخرج أحمد والدارمي والنسائي من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر نحوه، وتقدمت الإشارة إليه في " كتاب التعبير " وسنده صحيح ولفظ أحمد (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا تنحر فأولت الدرع الحصينة المدينة، الحديث وقد ساق محمد بن إسحاق هذه القصة في المغازي مطولة، وفيها أن عبد الله بن أبي رأس الخزرج كان رأيه الإقامة فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب وقال أطاعهم وعصاني، فرجع بمن أطاعه وكانوا ثلث الناس. قوله (فلما لبس لأمته) بسكون الهمزة هي الدرع وقيل الأداة بفتح الهمزة وتخفيف الدال وهي الآلة من درع وبيضة وغيرهما من السلاح، والجمع لأم بسكون الهمزة مثل تمرة وتمر وقد تسهل وتجمع أيضا على لؤم بضم ثم فتح على غير قياس، واستلأم للقتال إذا لبس سلاحه كاملا. قوله (وشاور عليا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين) قال ابن بطال عن القابسي: الضمير في قوله " منهما " لعلي وأسامة وأما جلده الرامين فلم يأت فيه بإسناد. قلت: أما أصل مشاورتهما فذكره موصولا في الباب باختصار وتقدم في قصة الإفك مطولا في تفسير سورة النور مشروحا، وقوله "فسمع منهما " أي فسمع كلامهما ولم يعمل بجميعه حتى نزل الوحي، أما علي فأومأ إلى الفراق بقوله " والنساء سواها كثير " وتقدم بيان عذره في ذلك، وأما أسامة فنفى أن يعلم عليها إلا الخير، فلم يعمل بما أومأ إليه على من المفارقة، وعمل بقوله وسل الجارية فسألها وعمل بقول أسامة في عدم المفارقة، ولكنه أذن لها في التوجه إلى بيت أبيها، وأما قوله " فجلد الرامين " فلم يقع في شيء من طرق حديث الإفك في الصحيحين ولا أحدهما، وهو عند أحمد وأصحاب السنن من رواية محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة " قالت: لما نزلت براءتي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فدعا بهم وحدهم " وفي لفظ " فأمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم " وسموا في رواية أبي داود مسطح ابن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، قال الترمذي حسن لا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق من هذا الوجه قلت: ووقع التصريح بتحديثه في بعض طرقه، وقد تقدم بسط القول في ذلك في شرح حديث الإفك في التفسير. قوله (ولم يلتفت إلى تنازعهم ولكن حكم بما أمره الله) قال ابن بطال عن القابسي. كأنه أراد تنازعهما فسقطت الألف لأن المراد أسامة وعلي. وقال الكرماني القياس أن يقال " تنازعهما، إلا أن يقال إن أقل الجمع اثنان أو أراد بالجمع هما ومن معهما أو من وافقهما على ذلك انتهى. وأخرج الطبراني عن ابن عمر في قصة الإفك، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أي طالب وأسامة بن زيد وبريرة، فكأنه أشار بصيغة الجمع إلى ضم بريرة إلى علي وأسامة لكن استشكله بعضهم بأن ظاهر سياق الحديث الصحيح أنها لم تكن حاضرة لتصريحه بأنه أرسل إليها، وجوابه أن المراد بالتنازع اختلاف قول المذكورين عند مساءلتهم واستشارتهم، وهو أعم من أن يكونوا مجتمعين أو متفرقين ويجوز أن يكون مراده بقوله فلم يلتفت إلى تنازعهم كلا من الفريقين في قصتي أحد والإفك. قوله (وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها) أي إذا لم يكن فيها نص بحكم معين وكانت على أصل الإباحة، فمراده ما احتمل الفعل والترك احتمالا واحدا، وأما ما عرف وجه الحكم فيه فلا، وأما تقييده بالأمناء فهي صفة موضحة لأن غير المؤتمن لا يستشار ولا يلتفت لقوله، وأما قوله " بأسهلها " فلعموم الأمر بالأخذ بالتيسير والتسهيل والنهي عن التشديد الذي يدخل المشقة على المسلم، قال الشافعي: إنما يؤمر الحاكم بالمشورة لكون المشير ينبهه على ما يغفل عنه ويدله على مالا يستحضره من الدليل لا ليقلد المشير فيما يقوله، فإن الله لم يجعل هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد من استشارة الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخبار كثيرة: منها مشاورة أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردة، وقد أشار إليها المصنف. وأخرج البيهقي بسند صحيح عن ميمون بن مهران قال " كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علمه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة، فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم " وأن عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك، وتقدم قريبا أن القراء كانوا أصحاب مجلس عمر ومشاورته، ومشاورة عمر الصحابة في حد الخمر تقدمت في " كتاب الحدود " ومشاورة عمر الصحابة في إملاص المرأة تقدمت في الديات، ومشاورة عمر في قتال الفرس تقدمت في الجهاد، ومشاورة عمر المهاجرين والأنصار ثم قريشا لما أرادوا دخول الشام وبلغه أن الطاعون وقع بها، وقد مضى مطولا مع شرحه في " كتاب الطب " وروينا في القطعيات من رواية إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة فقال سل عنها عليا، قال ولقد شهدت عمر أشكل عليه شيء فقال هاهنا على، وفي كتاب النوادر للحميدي، والطبقات لمحمد بن سعد من رواية سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن - يعني علي بن أبي طالب - ومشاورة عثمان الصحابة أول ما استخلف فيما يفعل بعبيد الله بن عمر لما قتل الهرمزان وغيره، ظنا منه أن لهم في قتل أبيه مدخلا، وهي عند ابن سعد وغيره بسند حسن، ومشاورته الصحابة في جمع الناس على مصحف واحد، أخرجها ابن أبي داود في " كتاب المصاحف " من طرق عن علي منها قوله " ما فعل عثمان الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا " وسنده حسن. قوله (ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة إلخ) يشير إلى حديث أبي هريرة الذي تقدم قريبا في باب الاقتداء بالسلف. قوله (وقال النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه) تقدم موصولا من حديث ابن عباس في " كتاب المحاربين". قوله (وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا) هذا طرف من حديث ابن عباس في قصة الحر بن قيس وعمه عيينة بن حصن؛ وتقديم قريبا في باب الاقتداء بالسلف أيضا بلفظ " ومشاورته " ووقع بلفظ " ومشورته " موصولا في التفسير، وقوله في آخره هنا: " وكان وقافا " بقاف ثقيلة أي كثير الوقوف، وهذه الزيادة لم تقع في الطريق الموصولة في باب الاقتداء وإنما وقعت في التفسير، ثم ذكر طرفا من حديث الإفك من طريق صالح بن كيسان عن الزهري، وقد تقدم بطوله في " كتاب المغازي " واقتصر منه على موضع حاجته وهي مشاورة علي وأسامة. وقال في آخره. فذكر براءة عائشة وأشار بذلك إلى أنه هو الذي اختصره وذكر طرفا منه من طريق هشام بن عروة عن أبيه، وقد أورد طريق أبي أسامة عن هشام التي علقها هنا مطولة في " كتاب التفسير " وقد ذكرت هناك من وصلها عن أبي أسامة وشيخه هنا في الطريق الموصولة، هو محمد بن حرب النشائي بنون ومعجمة خفيفة و " يحيى بن أبي زكريا " هو يحيى بن يحيى الشامي نزيل واسط، وهو أكبر من يحيى بن يحيى النيسابوري شيخ الشيخين، و " الغساني " بفتح المعجمة وتشديد المهملة نسبته مشهورة، ووقع في بعض النسخ بضم العين المهملة وتخفيف الشين المعجمة، وهو تصحيف شنيع وقوله فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم " خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه " تقدم في رواية أبي أسامة أن ذلك كان عقب سماعه كلام بريرة، وفيه " قام في خطيبا - أي من أجلي - فتشهد وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد". الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ مَا تُشِيرُونَ عَلَيَّ فِي قَوْمٍ يَسُبُّونَ أَهْلِي مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ لَمَّا أُخْبِرَتْ عَائِشَةُ بِالْأَمْرِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْطَلِقَ إِلَى أَهْلِي فَأَذِنَ لَهَا وَأَرْسَلَ مَعَهَا الْغُلَامَ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ الشرح: قوله (ما تشيرون علي) هكذا هنا بلفظ الاستفهام، وتقدم في طريق أبي أسامة بصيغة الأمر " أشيروا علي " والحاصل أنه استشارهم فيما يفعل بمن قذف عائشة، فأشار عليه سعد بن معاذ وأسيد بن حضير بأنهم واقفون عند أمره موافقون له فيما يقول ويفعل، ووقع النزاع في ذلك بين السعدين، فلما نزل عليه الوحي ببراءتها أقام حد القذف على من وقع منه. وقوله "يسبون أهلي " كذا هنا بالمهملة ثم الموحدة الثقيلة من السب، وتقدم في التفسير بلفظ " أبنوا " بموحدة ثم نون، وتقدم تفسيره هناك وأن منهم من فسر ذلك بالسب. قوله (ما علمت عليهم من سوء قط) يعني أهله وجمع باعتبار لفظ الأهل، والقصة إنما كانت لعائشة وحدها لكن لما كان يلزم من سبها سب أبويها ومن هو بسبيل منها؛ وكلهم كانوا بسبب عائشة معدودين في أهله صح الجمع، وقد تقدم في حديث الهجرة الطويل قول أبي بكر " إنما هم أهلك يا رسول الله " يعني عائشة وأمها وأسماء بنت أبي بكر. قوله (وعن عروة) هو موصول بالسند المذكور، وقوله "أخبرت " بضم أوله على البناء للمجهول، وقد تقدمت تسمية من أخبرها بذلك. قوله (أتأذن لي أن انطلق إلى أهلي) في رواية أبي أسامة " أرسلني إلى بيت أبي". قوله (وقال رجل من الأنصار إلخ) وقع عند ابن إسحاق أنه أبو أيوب الأنصاري وأخرجه الحاكم من طريقه، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين وأبو بكر الآجري في طرق حديث الإفك، من طريق عطاء الخراساني عن الزهري عن عروة عن عائشة، وتقدم في شرحه في التفسير أن أسامة بن زيد قال ذلك أيضا لكن ليس هو أنصاريا، وفي روايتنا في فوائد محمد بن عبد الله المعروف بابن أخي ميمي من مرسل سعيد بن المسيب وغيره، وكان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعا شيئا من ذلك قالا سبحانك هذا بهتان عظيم، زيد بن حارثة وأبو أيوب، وزيد أيضا ليس أنصاريا، وفي تفسير سنيد من مرسل سعيد بن جبير أن سعد ابن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة قال " سبحانك هذا بهتان عظيم " وفي الإكليل للحاكم من طريق الواقدي أن أبي بن كعب قال ذلك، وحكي عن المبهمات لابن بشكوال ولم أره أنا فيها أن قتادة بن النعمان قال ذلك " فإن ثبت فقد اجتمع ممن قال ذلك ستة: أربعة من الأنصار ومهاجريان". (تنبيه) : وقع في بعض النسخ في هذه الأبواب الثلاثة الأخيرة تقديم وتأخير والخطب فيها سهل.
|